إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة
فتاوى وأحكام في نبي الله عيسى عليه السلام
37329 مشاهدة
دعوة الرسل كلهم متفقة في أصل الدين

[س 7]: هل معنى قوله تعالى: وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ أن عيسى -عليه السلام- جاء مكملا لدعوة موسى -عليه السلام-؟ وما تقولون في من يقول: إن الإنجيل غير محرف بنص قوله -تعالى- وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وما معنى قوله وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ؟
الجواب: لا شك أن دعوة الرسل كلهم متفقة في أصل الدين وهو التوحيد وإخلاص العبادة لله تعالى، وهو معنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم- نحن معاشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد . أي بمنزلة أولاد من أمهات وأبوهم واحد، أي متفقون في العقيدة مع وجود اختلاف في الشرائع، ومع ذلك فإن كل نبي يصدق بمن قبله من الأنبياء والرسل، فقوله: وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ يدل على أن عيسى يصدق ما في التوراة من العلم، ويعمل به ويحث على تطبيق ذلك ويحكم بما فيه.
ولا شك أنه أعطي الإنجيل وفيه هدى ونور، ويشتمل على أحكام لم ترد في التوراة؛ ولهذا قال الله تعالى عنه: وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ فذكر أنه قد أباح لهم بعض ما كان محرما في شريعة موسى من باب التخفيف.
ولا شك أن الإنجيل الذي نزل على عيسى فيه هدى ونور، لكن بعد رفع عيسى اختلفوا فيه؛ ولهذا تعددت الأناجيل (كإنجيل متى، وإنجيل يوحنا إلخ ) وأن بينها تفاوت كما هو مشاهد، والله تعالى إنما ذكر كتابا واحدا، فتعددها بعد عيسى دليل على تغييرها وتحريفها، أما الأصل فهو الذي ذكره الله بقوله: فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وأما هذه الأناجيل فقد غيرت وحرفت عن الكتاب المنزل الذي نزل مصدقا للتوراة قبله وموضحا لما فيها، والله أعلم.